الاتصالات الداخلية: قوة العلاقات العامة في أوقات الأزمات
الاتصالات الداخلية الفعّالة خلال الأزمات تبني الثقة و الشفافية، و تساعد المؤسسات على تخطي الأزمات و تحسين سمعتها
تعد الاتصالات الداخلية خلال الأزمات بمثابة شريان الحياة للمؤسسات، و العنصر الحيوي الذي يحدد قدرتها على التعامل بنجاح مع المواقف الطارئة، و تشكل الجسر الذي يربط القيادة بالموظفين، مما يعزز التنسيق الفعال بين الأقسام و الفرق المختلفة داخل المؤسسة عبر تبادل المعلومات بشكل واضح و شفاف، و تسهم في توجيه الجميع نحو استجابة منظمة و فعالة
تعتبر الرسالة الدقيقة و المعتمدة في التوقيت المناسب البوصلة التي تمكّن الإدارة من التحكم في مجريات الأزمة، إذ تشكل الفارق الحاسم بين القدرة على السيطرة على الوضع أو الانزلاق في فوضى المعلومات و الشائعات، و تلعب العلاقات العامة دورا محورياً في توجه و دعم الاتصالات الداخلية و الإدارة في مهامها خلال فترة الأزمات، و تساعد على الحفاظ على استمرارية العمل داخل كافة أقسام المؤسسة بمرونة و كفاءة
أهمية الاتصالات الداخلية في الأزمات
غالباًما يتعقد تدفق المعلومات داخل المؤسسة عند حدوث الأزمات، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الشائعات و المعلومات المضللة، و في حال فشل إدارة الاتصالات الداخلية فإن حالة الارتباك بين الموظفين تظهر بشكل واضح و قد تؤدي إلى خلل في العمليات الفنية و التشغيلية، و لا يقتصر الأمر على إبقاء الموظفين على اطلاع لما يحدث في المؤسسة خلال الأزمة، بل يحتاج أيضاً إلى بناء الثقة و توفير الشفافية اللازمة من أجل توجيه الجميع نحو حل المشكلة، و تنبع أهمية الاتصالات الداخلية في كونها وسيلة فعالة للسيطرة على حالة الارتباك و السرد الداخلي و الخارجي، و تضمن تدفق و تبادل مرن للمعلومات و هذا ما يساعد على تجاوز الأزمة بسلاسة و فاعلية
دور العلاقات العامة في توجيه الاتصالات الداخلية
في أوقات الأزمات، يعتمد النجاح في التواصل على ثلاثة مبادئ أساسية و هي :
الشفافية: تعتبر أحد الأركان الأساسية في نجاح الاتصالات الداخلية الفعالة أثناء الأزمات، و تعتمد على مبدأ تقديم المعلومات بصدق و وضوح، دون إحفاء أو تلاعب بالحقائق، و هذا ما يؤدي إلى بناء الثقة و التقليل من التشويش بين أفراد المؤسسة، فشعورهم أن إدارتهم تقدم لهم معلومات واقعية يجعلهم يميلون إلى الثقة بالقرارات التي تتخذها الإدارة، في المقابل فإن غياب المعلومات الرسمية، يسهم بشكل كبير في انتشار الشائعات و المعلومات المغلوطة بسرعة، كما تشجع الشفافية الموظفين على المشاركة الفعالة في إيجاد الحلول في أوقات الأزمات، و تعزز أيضاً التعاون بين الفرق المختلفة للمؤسسة، مما يسهم في تحقيق نتائج أسرع و أكثر فاعلية
الشفافية في أزمة شركة جوجل
الأمثلة على ذلك كثير منها عندما واجهت شركة "جوجل" في عام 2020، أزمة داخلية كبيرة تمثلت في استقالات جماعية لعدد من الموظفين بسبب اعتراضاتهم على سياسية الشركة و بعض القرارات المتعلقة بحقوق الموظفين، حيث بادرت الإدارة العليا في "جوجل" بتقديم تصريحات علنية حول الأزمة عبر مدونة الشركة ورسائل داخلية، حيث اعترفت بوجود قضايا تحتاج إلى معالجة، و قامت بتوضيح أنها تأخذ مطالب الموظفين على محمل الجد، و أنها ستقوم بمراجعة سياساتها و فتح قنوات حوار جديدة لحل الخلافات
و هنا يأتي دور العلاقات العامة في إدارة تدفق المعلومات الشفافة من خلال وضع استراتيجيات واضحة لضمان وصول المعلومات الصحيحة و المحدثة إلى جميع الموظفين في الوقت المناسب، عبر قنوات تواصل مرنة و موثوقة، مساهمة بذلك في معالجة الأزمات الداخلية بطريقة إيجابية تحول التحديات إلى فرص لتحسين بيئة العمل و تعزيز العلاقات بين الإدارة و الموظفين
الاتساق : يجب أن تكون الرسائل التي تنقل من الإدارة إلى الموظفين موحدة ومتوافقة بالشكل و المحتوى، و أن تكون بعيدة عن التناقضات التي قد تشكل ارتباك و صعوبة في الفهم، حيث قد تؤدي الرسائل المتضاربة إلى خلق بيئة من عدم اليقين و هذا ما يؤدي إلى زيادة التوتر و يؤثر بشكل سلبي على معنويات الموظفين، و يعكس الاتساق استقرار الإدارة و قدرتها على توجيه الفريق خلال فترة الازمات ، و لدى توفيرها لتحديثات منتظمة فإنها تساعد على تهدئة المخاوف و يعزز شعور الموظفين بالأمان، و يقدم الاتساق انطباعاً بأن الأمور تحت السيطرة و يشجع الموظفين على البقاء في تواصل مستمر مع بضعهم البعض و مع الإدارة ، كما يسهم التنسيق بين جميع أقسام المؤسسة و استخدام قنوات اتصال و محتوى محدد في تحقيق أعلى درجات الاتساق في الرسائل
أزمة شركة شيفرون... والاتساق الفعال
الحفاظ على اتساق الرسائل بين جميع موظفيها هو ما ساعد شركة "شيفرون" خلال أزمة تسرب النفطي عام 2010، حين تعرضت لأزمة تسرب نفطي قبالة سواحل البرازيل، حيث كانت الشركة حريصة أثناء الأزمة، على تعين متحدث رسمي لنقل المعلومات للموظفين و الجمهور، و تقديم التحديثات عبر البريد الإلكتروني و الاجتماعات الداخلية بشكل منتظم، كما أن الرسائل كانت موحدة على مستوى جميع الأقسام، مما منع انتشار التضارب في المعلومات داخل الشركة، و قد استطاعة العلاقات العامة لعب دور مهم في ضمان أن تكون الرسائل المقدمة إلى الموظفين موحدة، كما أنها تقوم بتصميم القنوات التي توصل هذه الرسائل إليهم، و تجمع التغذية الراجعة وردود الأفعال داخل المؤسسة و تقديمها للإدارة لتسهل لها اتخاذ القرارات بناء على ما تم جمعه
الثقة : يمكن تعريفها في هذا السياق بأنها إيمان الموظفين بقدرة الإدارة على اتخاذ قرارات صائبة و اتصالها معهم بشفافية و اتساق خلال الأزمة، و كذلك شعورهم بأن القيادة تهتم بمصلحتهم وتستطيع أن تقودهم للخروج من الأزمة، فعندما يشعر الموظفون بالثقة في قيادة المؤسسة، يصبحون أكثر التزاماً بالأهداف المشتركة و يساهمون في حل الأزمة، فهي تقلل الشكوك التي يمكن أن يؤدي غياب الثقة إلى زيادتها و التي بدورها تؤدي إلى تباطؤ اتخاذ القرارات، و زيادة الخلافات الداخلية، و قد تضعف القدرة على تنفيذ الاستراتيجيات التي تم التخطيط لها، ويتطلب دائماً بناء الثقة الوفاء بالوعود و الالتزام بالتعهدات التي يتم تقديمها خلال الأزمة. فإذا قدم القادة وعوداً معينة للموظفين، سواء كانت تتعلق بالأمان الوظيفي أو الخطط المستقبلية، يجب أن تكون هناك مصداقية في التنفيذ لتأكيد أن القيادة تتعامل مع الأزمة بجدية
كيف أسهمت الثقة في تخطي الأزمة لشركة نيسان
كمثال على ذلك أزمة شركة "نيسان" حين تم القبض على الرئيس التنفيذي كارلوس غصن في اليابان بتهم فساد في عام 2018، مما أدى إلى أزمة كبيرة في الشركة وعلاقاتها مع شركائها الرئيسيين، فقد دارت الكثير من الشكوك في البداية، حول كيفية التعامل مع الأزمة، لكن رئيس مجلس الإدارة الجديد، قرر تبني سياسة الشفافية و الثقة مع الموظفين، حيث أُبلغ الجميع بما يحدث في الشركة وأسباب توقيف غصن، و تم اطلاع الموظفين على نتائج التحقيقات الداخلية و خطط إعادة بناء ثقة الشركة مع الجمهور
و يتمثل الدور الفعال للعلاقات العامة في تقديم الدعم والتوجيه للإدارة في كيفية تقديم رسائلها و كيفية التعامل مع المواقف الإعلامية الداخلية و الخارجية، إضافة إلى صياغة الرسائل التي تساعد الإدارة على تعزيز قدرتها على قيادة المؤسسة من خلال الأوقات الأزمة
في النتيجة: حال حققت الاتصالات الداخلية الفاعلية المرجوة منها خلال الأزمات و استندت إلى المبادئ المذكورة، فإنها ستساهم بشكل حقيقي و فعال في تخطي المؤسسة للأزمة بأقل الخسائر الممكنة، و لا تقتصر أهمية العلاقات العامة في المحافظة على الروح المعنوية للأفراد داخل المؤسسة و بناء الثقة و الشفافية، بل تتجاوزها لتصل إلى وضع استراتيجيات الاتصال الداخلي التي تساهم في تخطي الأزمات بنجاح، و تحويل التحديات إلى فرص، تستطيع من خلالها الشركات الاستفادة منها كدروس و تجارب لتعزيز سمعتها على المدى الطويل