المحتوى الخاطف يتربّع على عرش عصرنا الرقمي
المحتوى الخاطف يتربّع على عرش عصرنا الرقمي
شهد العالم في العامين المنصرمين تغييرات عميقة فرضتها جائحة كوفيد-19، كان أحدها إحداث نقلة نوعية في سلوك المستهلك. ففي ظل عمليات الإغلاق وإلزام مليارات الأشخاص على البقاء في منازلهم، واتّسام عصرنا بالتطور التكنولوجي، كان من الطبيعي حدوث ثورة رقمية كبيرة. وتشير الإحصاءات إلى أن استهلاك البيانات سجّل نمواً ملحوظاً بنسبة 30 في المئة العام الماضي مقارنة بعام 2019. واليوم، يواصل العالم الافتراضي توسّعَه في ظل وجود أكثر من 4.66 مليارات مستخدم نشط للإنترنت، يشكلون 59.5 في المئة من سكان العالم.
أدت هذه التطورات إلى إحداث تغيير جذري في طبيعة المحتوى بجميع أشكاله وتنسيقاته، إذ انصبّ التركيز على ملاءمة هذا المحتوى للعرض على شاشات الهواتف الذكية الصغيرة التي لا تتجاوز مقاسات بعضها 5 إنشات، باعتبارها الوسيلة الأكثر استخداماً كمصدر للمحتوى والمعلومات. وفي الوقت نفسه، يجب أن يتم ذلك بطريقة تجذب انتباه المشاهد أو القارئ المهتم والمطّلع، والذي لا يملك متسعاً كبيراً من الوقت، لكن لديه الكثير من الخيارات لمواصلة عملية تحريك النصوص أو الرسومات المعروضة عبر الشاشة، والبحث عمّا يثير اهتمامه.
أدى الطلب المتزايد باطّراد على إنشاء محتوى مختصر وسلِس إلى ظهور مجتمع من صُنّاع المحتوى يقدَّر بنحو 50 مليون مبدع، يعملون باستمرار على إنتاج موجزات ويب لمنصات التواصل الاجتماعي؛ مثل: "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" و"تويتر" و"فيسبوك". يبتكر منشئو المحتوى هؤلاء أصنافاً جديدة؛ كالكتب الإلكترونية والرسوم البيانية المستقلة والمجلات المصوَّرة والرسوم الهزلية والملفات الصوتية الرقمية (البودكاست) والاقتباسات. وهم، الآن، يتطلعون إلى أنواع متخصصة للابتعاد عن المسار الرائج وإنشاء محتوى قصير يتميز بالأصالة والتسلية، ما سيؤدي، بالضرورة، إلى تعزيز النمو الهائل لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين تجاوز عددهم 4.5 مليارات مستخدم في أكتوبر 2021.
تتيح منصّات التواصل الاجتماعي لمبدعي المحتوى الأدوات والإرشادات والفرص التي هم بحاجة ماسّة إليها من أجل الارتقاء بجودة محتوياتهم التي يقدمونها، وزيادة متابعيهم؛ مع التركيز على إشراك الأشخاص الأصغر سناً من خلال تقنيات فريدة لتصميم القصص المصوَّرة، وكتابة السيناريوهات، والتحرير ، والتي يتم تجميعها معاً كمحتوى "سهل الوصول والفهم" لا تتجاوز مدة استعراضه أكثر من دقيقة أو دقيقتين، ويتألف من 150 حرفاً أو بضع مئات من الكلمات.
تجتذب هذه المنظومة الجديدة من المحتوى المعلنين الذين لا يتوانون عن الاستثمار في خدمات منشئي المحتوى المشهورين؛ للتأثير في قرارات شراء المستهلكين وتسويق المنتجات. وتشير الدراسات إلى أنه من المتوقع وصول حجم سوق إنشاء المحتوى الرقمي العالمي إلى 38.2 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وبمعدل نمو ّسنويٍّ مركَّب قدره 12 في المئة ما بين عامي 2020 و2030، وفقاً لتقرير صادر عن "إنسايت سلايس" InsightSLICE.
في عصر يغصّ فعلياً بالكثير من عوامل الإلهاء الرقمية وتدفُّق المعلومات الهائل، سيزداد النزوع نحو المحتوى القصير فقط، إذ يتجه جيل المستقبل الذي يتميز أفراده بالذكاء والوعي إلى البحث دوماً عبر الإنترنت عن معلومات مفتوحة وغير مؤطَّرة، معلومات مختصَرَة وتلبّي متطلّباتهم. يبحث المستخدمون عن محتوى متخصص مُعَدٍّ بطريقة مميزة؛ لذا فإن المبدعين الذين يخاطبون المتلقّي بأسلوب فريد يلامس تطلعاته، ويؤسسون علاقة تواصل مباشر مع القارئ أو المشاهد خلال فترة زمنية قصيرة، أولئك هم فقط من سيحققون النجاح. لقد أصبحت فرص النمو والتميز بمحتوى مختصَر وخاطف أكبر من أي وقت مضى. إن كنت مبدعاً في إنشاء المحتوى، فزمننا الراهن هو فرصتك المثالية؛ لتضع بصمتك في المجتمع وتصبح مؤثراً حقيقياً فيه.