الذكاء الاصطناعي والعلاقات العامة.. التوازن بين الابتكار والممارسات الأخلاقية

 برز الذكاء الاصطناعي، في السنوات الأخيرة، كمحرك للتغيير في مجال العلاقات العامة بهدف رفع كفاءة الطواقم العاملة فيه، وسرعة وفاعلية التحليلات القائمة على البيانات، فضلاً عن تعزيز استراتيجيات الاتصال. كما غيّرت الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي طريقة تفاعل المتخصّصين في هذا المجال مع الجماهير، وكيفية إدارة سمعة العلامات التجارية.ورغم ذلك، وفي ظل الانفتاح الكبير على تبنّي التقنيات المتطورة، لا بدّ من الاعتراف أيضاً بوجود مخاطر محتملة مرافقة لاستخدامها، قد تعود سلباً على العاملين في القطاع، وعلى جودة مخرجاته.

May 20, 2024

 برز الذكاء الاصطناعي، في السنوات الأخيرة، كمحرك للتغيير في مجال العلاقات العامة بهدف رفع كفاءة الطواقم العاملة فيه، وسرعة وفاعلية التحليلات القائمة على البيانات، فضلاً عن تعزيز استراتيجيات الاتصال. كما غيّرت الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي طريقة تفاعل المتخصّصين في هذا المجال مع الجماهير، وكيفية إدارة سمعة العلامات التجارية.ورغم ذلك، وفي ظل الانفتاح الكبير على تبنّي التقنيات المتطورة، لا بدّ من الاعتراف أيضاً بوجود مخاطر محتملة مرافقة لاستخدامها، قد تعود سلباً على العاملين في القطاع، وعلى جودة مخرجاته.

تتمثل أولى المخاوف المصاحبة لتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال العلاقات العامة في تأثيره على الإبداع البشري، وغياب الأصالة في المحتوى. فبينما تتميز خوارزميات الذكاء الاصطناعي بمعالجة كميات ضخمة من البيانات، وبقدرتها على تحديد الاتجاهات؛ فإنها قد تفتقر إلى الفهم الدقيق للعواطف البشرية والسياق الثقافي الذي تتطلّبه صياغة قصص مقنعة. لذا، يتزايد خطر تجريد عملية الاتصال والتواصل من إطارها الإنساني؛ لتقدم منتجاً غير صادق عندما يصبح الذكاء الاصطناعي سائداً في عملية إنتاج المحتوى. 

علاوة على ذلك،يثير الاعتماد على الرؤى المدعومة بالذكاء الاصطناعي أسئلة أخلاقية تتعلق بالخصوصية وأمان البيانات والتحيُّز الخوارزمي؛ ففي حين يستفيد متخصِّصو العلاقات العامة من أدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستهلكين واستهداف الجماهير برسائل مخصَّصة، تتزايد التساؤلات حول مدى الشفافية والمساءلة في طريقة جمع البيانات الشخصية وتخزينها واستخدامها، إضافةً إلى خطر التحيُّز الخوارزمي، حيث تؤدي أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل غير مقصود إلى استمرار الممارسات التمييزية، ما يضاعف أهمية فرض معايير لتقييم الرقابة الأخلاقية والأُطر التنظيمية في صناعة العلاقات العامة. 

ويشكل التضليل والتلاعب أحد المشاكل المصاحبة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال العلاقات العامة، حيث تكبُر مخاوف استغلال الأطراف المعادية لهذه الأدوات بُغية نشر الأخبار الزائفة، والتلاعب بالرأي العام، أو المشاركة في حملات الدعاية الكاذبة عبر الإنترنت مع تطور وانتشار غرف الدردشة الآلية والمساعدين الافتراضيين. كما أن تقنية التزييف أو التزوير العميق التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوىً صوتي أو مرئي مقنع ولكن مُفبرَك تسهم في توسيع الفجوة بين الحقيقة والخداع، ما يشكل تحديات كبيرة للمتخصّصين في العلاقات العامة الذين يتولّون مهمة مكافحة التضليل في وسائل الإعلام. 

وتواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في مجال العلاقات العامة، والتي لا تمتلك القدرة على الاستثمار في الأدوات الحديثة المدعَّمة بالذكاء الاصطناعي، تحدِّيات تتعلق بمواكبة المنافسين الكبار الذين يمتلكون فرص استخدام وتطويع التقنيات المتقدّمة لإجراء الدراسات وجمع البيانات المطلوبة. هذا التفاوت في الجاهزية الرقمية لا يزيد من الفجوة بين العاملين في القطاع وحسب، بل يثير أيضًا مخاوف بشأن انعدام الحاجة لوظائف معينة، وبالتالي تسريح العاملين فيها، وتراجع المهارات الإبداعية في عصر رقمي يتّسم بالتطور المستمر. 

من المهم إدراك أن الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات هائلة تساهم في تعزيز الخبرات البشرية في صناعة العلاقات العامة وليس استبدالها، ولا يتحقق ذلك إلا عبر اعتماد نهج متوازن يجمع بين التحليلات القائمة على الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري والممارسة الأخلاقية، ما يتيح الفرصة أمام المتخصِّصين في مجال العلاقات العامة؛ لاستغلال قوة التكنولوجيا من أجل تطوير استراتيجيات الاتصال والتواصل، وتعزيز العلاقات الحقيقية مع الجماهير، والمساهمة في تشكيل المشهد الإعلامي المتطور بنزاهة.

-انتهى-