العلوم النفسية.. آفاق واسعة لتعزيز حملات العلاقات العامة

في عالم العلاقات العامة، فهم كيفية اتخاذ القرار في الدماغ أمر ضروري لتعزيز الحملات التسويقية. يمكن لمتخصّصي العلاقات العامة استخدام مبادئ علم النفس و النفس العصبي لتطوير استراتيجيات تؤثر بعمق في الجمهور. علم النفس يساعد في فهم معالجة المعلومات و تكوين المواقف، مما يعزز ترسيخ صورة إيجابية للعلامة التجارية و تحفيز إجراءات محددة. تتطلب التحديات في تغيير المواقف والسلوكيات معالجة الحواجز النفسية بفعالية. في ظل الضخ الإعلامي المتزايد، يصبح جذب الانتباه أساسياً. استخدام معلومات نفسية مثل الصور الجذابة وسرد القصص المؤثرة يعزز فعالية الرسائل. تقسيم الجمهور إلى فئات مدروسة و استخدام استراتيجيات مثل التنافر المعرفي والدليل الاجتماعي يمكن أن يحفز التغيير السلوكي. دمج هذه المفاهيم النفسية في استراتيجيات العلاقات العامة يحقق تأثيراً قوياً وفعالاً

August 29, 2024

يشهد عالم العلاقات العامة تطوراً متسارعاً بات معه فهم مسارات اتخاذ القرار في الدماغ البشري و العوامل المؤثرة فيها أمراً حيوياً لتعزيز حملات العلاقات العامة. وعبر توظيف الرؤى المناسبة من علم النفس و علم النفس العصبي، يمكن لمتخصّصي العلاقات العامة و ضع استراتيجيات ذات صدىً أعمق لدى الجمهور المستهدف، ما يساعد في التأثير على طريقة رؤيته للعلامة التجارية و تفاعله معها

يقدم علم النفس معلومات قيّمة حول كيفية تعامل الإنسان مع المعلومات التي يتلقّاها، و تكوين المواقف تجاهها، و اتخاذ القرارات بشأنها. ويمكن تسخير هذه المعارف في مجال العلاقات العامة الذي تتمثّل أولويته الرئيسية في ترسيخ الصورة الإيجابية عن العلامة التجارية في ذهن المتلقّي، و تحفيزه على اتخاذ إجراءات محدّدة تجاهها. فمن خلال التعرُّف إلى المحفّزات النفسية التي تؤثر على جمهورك، يمكنك صياغة رسائل تعزّز ارتباطه بحملاتك، ما يجعل تأثيرها لا يقتصر على الناحية البصريةً و حسب، بل يتعداها إلى الناحية العاطفية

يشكّل تغيير المواقف و السلوكيات المتجذرة لدى العملاء أحد التحديات الجوهرية في العلاقات العامة. فالمواقف غالباً ما تنشأ عن المعتقدات الشخصية، و قد يصعب تغييرها، بينما يتطلب التأثير على السلوك التغلب على العادات الراسخة. و لمواجهة هذه التحديات، عليك صياغة رسائلك بدقة لتحفيز التغيير في المواقف والسلوكيات على حد سواء. ومن شأن فهم الحواجز النفسية التي يواجهها الناس و معالجتها أن يعزز فعالية تواصلك معهم أكثر

في ظل الضخ الإعلامي المكثّف الذي نشهده اليوم، أصبح جذب الانتباه و الحفاظ عليه أمراً جوهرياً .ينجذب الدماغ البشري بشكل طبيعي إلى المعلومات الجديدة، أو المثيرة عاطفياً، أو ذات الصبغة الشخصية. من هنا، كي تجعل حملتك مميّزة، لا بدّ لك من توظيف العامل النفسي عبر دمج صور جذابة، وسرد قصص مثيرة ومواضيع تلامس المشاعر. يساعد هذا النهج على ضمان وصول رسالتك إلى جمهورك، وترسيخها في ذاكرته لفترة طويلة بعد مشاهدتها

كما يُعَدُّ التقسيم الفعّال للجمهور إلى فئات مدروسة مجالاً آخر يمكن أن تُستَثمر فيه الرؤى النفسية لإحداث تحوّلات نوعية في سلوكه تجاه العلامة التجارية. و يمكنك بدلاً من الاعتماد على البيانات الديموغرافية الأساسية، تحليل ما يحفز مختلف فئات الجمهور ؛مثل: البحث عن الأمان، أو الابتكار، أو التواصل الاجتماعي، من أجل توجيه رسائلك بشكل أكثر دقة . هذا الفهم النفسي الدقيق يتيح لك تطوير حملات أكثر تخصيصاً و إقناعاً، ويعزز فاعليتها بشكل كبير

و لأن عملية تغيير المواقف و السلوكيات تُعَدُّ محوراً أساسياً للعديد من حملات العلاقات العامة، يمكن تسخير بعض المبادئ السيكولوجية، مثل التنافر المعرفي الذي يحدث عند وجود عدم انسجام بين المعتقدات و الأفعال، لتوجيه جمهورك نحو مواقف إيجابية تجاه علامتك التجارية. علاوة على ذلك، ثمّة استراتيجيات يمكن أن تكون فعّالة في تحفيز هذا الجمهور لاتخاذ القرارات بشكل سريع؛ مثل استراتيجية الدليل الاجتماعي التي تُظهِر لجمهورك فيها إقبال الآخرين على أمر تسعى إلى تحفيزهم للقيام به، إضافة إلى استراتيجية خلق شعور بالإلحاح للقيام بفعل معين

هناك العديد من الأمثلة التي تم تطبيق هذه المنهجيات فيها بنجاح، أحدها الحملة الترويجية "زوروا دبي" التي أطلقتها دائرة السياحة في دبي. فقد نجحت هذه المبادرة في اجتذاب ملايين الزوار بفضل تسخيرها للرؤى النفسية بطريقة ذكية. و من خلال تقسيم الجمهور إلى فئات محددة؛ مثل عشاق المغامرات، و الباحثين عن الفخامة، صاغت دائرة السياحة رسائل مستهدفة تتناسب مع اهتماماتهم و سلوكياتهم الخاصة

حظيت هذه الحملة بانتباه لافت نظراً لتوظيفها مجموعة من الصور الرائعة والمحتوى المؤثّر، ماساعد على إبراز معالم دبي الفريدة. و أسهمت الرسائل الاستراتيجية في تغيير التصورات العالمية عن المدينة من خلال تسليط الضوء على ما تتّسم به من أمان و كرم ضيافة و غنىً في تجاربها.كما دعمت استراتيجيات، مثل الدليل الاجتماعي و الإلحاح ، عملية تحفيز السيّاح على الحجوزات،ما أدى إلى زيادة ملحوظة في أعدادهم، و تعزيز سمعة دبي كوجهة سياحية عالمية بارزة

باختصار، يمكن أن يسهم دمج المفاهيم النفسية و النفسية العصبية ضمن استراتيجيات العلاقات العامة في تطوير حملات تصل بشكل أعمق إلى الجمهور، و تؤثر في مواقفهم، و تحفز التغيير السلوكي الفعّال لديهم. و يُعَدُّ نجاح حملة "زوروا دبي" نموذجاً على قوة هذه الرؤى في تحقيق نتائج ملموسة. و مع تزايد التنافس في المشهد الإعلامي، تتجلّى ضرورة فهم كيفية معالجة الدماغ للمعلومات و العوامل التي تحفز الناس على اتخاذ القرار من أجل تعزيز نتائج حملات العلاقات العامة و تحقيقها التأثير المنشود

"انتهى"